العملة النقدية تصبح قريباً شيئاً من الماضي
وصلت أخيراً تقنية "الجوال المحفظة" إلى بلدان أوروربية عديدة. ففي بريطانيا على سبيل المثال، سيتيح نظام "كويك تاب" الذي طرحته شركتا أورانج وباركليكارد للزبائن دفع قيمة مشترياتهم بنقرة واحدة على شاشة هاتفهم المتحرك يتم بواسطتها سحب المبلغ المطلوب من تطبيق خاص على الهاتف يمكن "شحنه" أو تعبئته بالرصيد المالي. وكل ما تحتاجه لاستخدام هذا الأسلوب من الدفع الإلكتروني هو هاتف سامسونج خاص مزود برقاقة "التواصل ضمن المجالات القريبة" والتي تعرف اختصاراً برقاقة "إن إف سي". وحتى غوغل دخلت هي الأخرى على الخط بإطلاق نظار "مرر وادفع" لهواتفها المتحركة مع ميزة "محفظة غوغل"، التي سيتم إطلاقها في وقت لاحق هذا الصيف في الولايات المتحدة.
فهل يمكن القول ان أيام العملة النقدية باتت معدودة الآن؟ هل الأوراق المالية والقطع النقدية المعدنية تعيش الآن في الوقت المستقطع؟ تزحف الأموال الإلكترونية منذ زمن إلى مختلف مظاهر حياتنا، من التحويلات البنكية والبطاقات الائتمانية إلى حسابات "باي بال" للدفع الإلكتروني. وتسمح بطاقات الائتمان والدائن الجديدة أيضاً بالدفع بمجرد تمرير البطاقة على مسافة بضعة سنتيمترات فوق الماسحة الموجودة لدى أمين الصندوق، وهي تستخدم تكنولوجيا "إن إف سي" من ذات النوع الذي أصبح يدمج الآن داخل الهواتف المتحركة.
وربما يكون لوسائل الدفع الإلكتروني هذه تأثير كبير في المستقبل القريب. فإذا أصبح بإمكاننا أن نستخدم وسيلة الدفع الإلكتروني لشراء كافة احتياجاتنا حتى ولو كانت قطعة شوكولاتة من البقالية فلن يكون هناك ما يمكن أن يمنع "باي بال" أو غوغل من إطلاق عملات خاصة بها تدعمها هي نفسها ومعها ربما بعض البنوك. وإذا أصبحت مثل تلك العملات مستخدمة على نطاق واسع، فربما تحل تدريجياً محل العملات الوطنية مما يؤدي في نهاية المطاف إلى نشوء عملة عالمية موحدة. وحينها لن يكون هناك أسعار صرف أو عمولات لقاء تحويل النقود من عملة الى أخرى . كما انه سيكون بوسع الآباء إصدار مصروف جيب آمن لأولادهم يمكن إنفاقه فقط على قائمة محددة من المشتريات والخدمات، ليستطيعوا بذلك التحكم بالطريقة التي ينفق بها الأولاد مصروفهم.
لكن هناك عقبات كفيلة ببقاء العملة النقدية كما نعرفها اليوم لبعض الوقت على الأقل، لعل من أهمها مشكلة الأمان. فالدفع الالكتروني عن طريق الهاتف الجوال بتقنية "إن إف سي" لا يتطلب بالضرورة إدخال كلمة سر. ماذا لو كان احد المارة يخفي في معطفه ماسحة تقرأ بطاقة "إن إف سي" أو رقاقة هاتفك الموضوع بجيبك بينما هو واقف بجانبك وسط الحشود؟
في الواقع إن معظم الناس سيحتاجون إلى الكثير من الإقناع قبل أن يضعوا ثقتهم بالعملة الالكترونية بنفس الطريقة التي يثقون بها بالأوراق المالية أو القطع النقدية المعدنية. لكن هناك حلول لهذه العقبات، ومنها مثلا إمكانية عدم إنجاز عملية الدفع الالكتروني إلا بوجود بصمة الإصبع أو بصمة العين للتأكد من هوية من يقوم بعملية الدفع. لكن حتى هذه المؤشرات الحيوية لا يمكن التعويل عليها بشكل مطلق، لأنه يمكن للمحتالين البارعين استنساخ بصمة الإصبع أو العين بطريقة أو بأخرى ومن أساليب الأمان الأكثر فعالية استخدام جهاز آخر ينتج شيفرة فريدة في كل مرة تريد فيها القيام بعملية دفع إلكتروني وبهذه الطريقة يمكنك الموافقة على عملية الدفع بمجرد النقر بهاتفك المتحرك على الماسحة. وهذا الأسلوب أكثر أمانا بكثير من استخدام كلمات السر المباشرة التي يمكن سرقتها أو تخمينها. تخيل مثلاً أن تضع في إصبعك خاتم "إمضاء إلكتروني" آمنا يصدر شيفرة مختلفة في كل مرة تقوم فيها بعملية دفع الكتروني. وفي الواقع إن بعض البنوك تستخدم الآن نظاما من هذا النوع لتسمح للزبائن بالدفع عن طريق الانترنت بشكل آمن تماما. لكننا سنحتاج أيضا إلى طريقة سهلة لتبادل النقود مع أشخاص آخرين بشكل غير رسمي. وسيكون هذا الأمر متاحا وبشكل سهل عندما تزود هواتفنا المتحركة بتقنية "إن إف سي". لذلك فمن غير المتوقع ان يشكل هذا عقبة أمام مستقبل النقود الالكترونية.
ويقدر الخبراء بأن التكنولوجيا التي نحتاجها لجعل أساليب الدفع الالكتروني تطبق في كل مكان ستتوفر على نطاق واسع في غضون عشر سنوات، وإننا سنستخدم النقود الالكترونية بشكل متزايد خلال الفترة المقبلة. ثم من المتوقع أيضا أن يجري تحول كبير من العملة التقليدية إلى العملة الإلكترونية برعاية الحكومة على غرار التحول الذي يجري الآن من التلفزيون العادي إلى التلفزيون الرقمي، حيث يتم تشجيع جميع الناس على تبني التقنية الجديدة. إذاً يمكننا أن نتوقع انه بحلول عام 2030 ستختفي الأوراق المالية والقطع النقدية المعدنية من أجزاء كبيرة من العام المتقدم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
أهلاً و سهلاً بكم، إرشيد الجرايدة يحييكم: